4:05 م

المغاربة البيض…أو الصورة المخلخلة للوجدان





د.الحبيب ناصري

كم كانت الصورة جد معبرة، حينما تناقلت بعض وسائل الإعلام المغربية، طبيعة قساوة الحياة في زمن طبيعيي صعب جدا، صور تعكس ما يعيشه أهلنا في تلك الجبال المتراميةهناك، بينما هناك من ينام وهو يعيش أوج الحياة في بيته الفاخر. إخواننا هناك، يعيشون قساوة البرد والثلوج، شكرا لمن، ولو بشكل رمزي، فك عنهم الحصار سواء على مستوى ما قدم من  خدمات اجتماعية أو صحية، أو على مستوى ماقدم من صور حقيقية،لكن الأقوى/ الأعنف هي تلك الصور التي نقلتها مشكورة القناة الثانية في أخبارها، صور قد نمرعليها مرور الكرام، بل قد لا ينتبه إليها العديد من الناس، لكن من اللازم أن نمسك عليها في قبضة تحليلية/ تركيبية.
صور  ذلك الرجل الذي حاوره أحد صحفيي القناة الثانية، وهو يمسك بما قدم إليه من مواد غذائية بسيطة، زاوية جميلة من حيث تقنية التصوير، لكنها مريرة جدا على مستوى تلقيها، كصورة قوية تحمل خطابا مخلخلا لمن ينام، وشروط العيش الشتائي، متوفرة لديه، صورة ظلت تطاردني في كل لحظة، ماذا قدمت الجهات المسؤولة خصوصا لمن تناوبوا على تدبير الشأن العام،هناك، ولمدة طويلة؟. رجل ممسك بمواد غذائية بسيطة، حدد مفعوليتها في حدود 15 يوما، ليولد لنا قلق السؤال التالي، وماذا بعد هذه المدة الزمنية الوجيزة؟.
تذكرت صورة المرأة العجوز التي تغلبت تجاعيد الفقر عليها، تجاعيد صنعت طوبوغرافيا اجتماعية مغربية، من الصعب تجاوزها، بل هي طوبوغرافيا ذات جذور سياسية واقتصادية وثقافية صلبة كصلابة برد وثلوج تلك الجبال، صورة العجوز وهي تحملها امرأة اخرى لا يمكن للمرء، إلا أن يستخلص، من خلالها، مدى عمق بساطة هذا الإنسان المغربي الذي يسكن الجبال اليوم، وهي تكتسي حلتها البيضاء، حلة قد تقول عنها الأيادي الغنية إنها مصدر متعة جمالية، لكن من اكتوى ب"عذابها" هي نقمة، أما عند صديقي المخرج كمال كمال، فهي مصدر سينمائي خصب، لعله سيكمل من خلالها فيلمه الجديد، بعد أن انتظر هذه الثلوج بفارغ الصبر، مما سيجعله يكف عن استيراد ثلوج اصطناعية مكلفة جدا، كما قيل من طرف أحد الأصدقاء الآخرين.
هو الثلج المادة الطبيعية، كل واحد يشكل عبرها رؤيته لهذا العالم. كم كانت عميقة تلك الصور التي قدمت من خلالها العجوز، المرأة التي أوقف العديد من المتفرجين زمنهم ليسافروا نحو أمهاتهم وجداتهم، ليستحضروا عذابهن، صورة تماهى معها العديد ممن يكشفون أسرار الصورة، بل حتى صحفي القناة الثانية، أثارته هذه المرأة العجوز، تماهى مع زمنها العنيف فأمسكها بيده، مما جعل مصور القناة هو الآخر لا ينفلت من هذه اللحظة الإنسانية العميقة، فكانت الصورة، وكان عمقها الوجداني الذي خلخلنا، وجعلنا في الصباح الموالي، نكتشف  ما ينتظرنا جميعا، من أجل فك العزلة عن هؤلاء الإخوة لنا في المواطنة أولا. ما ينتظرنا من دعاء لكل من يقدم خدمة ما، لهؤلاء المغاربة البيض، حيث أصبحوا كحبات ثلج داخل هذه السلسلة الجبلية العميقة.
هي صور عديدة كلما تناقلتها وسائل الإعلام، كلما تعمقت الأسئلة التي تنتظر أجوبة حقيقية تضامنية، خصوصا من طرف من يسر الله وجاد عليهم من متع الدنيا، أما الذين نهبوا مالنا العام، فوحده سجن عكاشة وغيره من السجون المغربية الأخرى، تنتظرهم، من زاوية قانونية، إن نحن فعلا أردنا أن نمر إلى بر الأمان، بر المواطنة الصادقة والحق في الكرامة وتجاوز المهانة التي تصيب العديد من الأسر المغربية هنا وهناك.
وحدها الصورة، قادرة أن تعيد كل الأسئلة الحقيقية إلى حقيقتها، من أجل تدبير جيد لكل مواردنا المالية والاقتصادية الخ، كل من شاهد وعايش وسافر نحو إخواننا هناك،سيكتشف ما معنى أن تكون مغربيا دون التفكير اليومي في هذه العينة من إخواننا المغاربة؟.
هي، برودة ثلج، إذن، قد تعم من في السفح كمن في الهضاب،لكن الفوق هنا لا سيميولوجية له هنا، بل هو الأسفل، وتبقى الصورة وحدها كشافة معان ودلالات وأحلام.

0 التعليقات :

إرسال تعليق